الرئيسية / اللجنة الاجتماعية / وفاءً وتكريماً لذكرى العلامة الشهيد الشيخ أحمد محمد عساف محاضرة لمعالي الأستاذ أدمون رزق و الدكتور حسان حلاق

وفاءً وتكريماً لذكرى العلامة الشهيد الشيخ أحمد محمد عساف محاضرة لمعالي الأستاذ أدمون رزق و الدكتور حسان حلاق

وفاءً وتكريماً للعلامة الشهيد الشيخ أحمد محمد عساف أقام المركز الإسلامي عائشة بكار بالتعاون مع جمعية رواد الكشاف المسلم في لبنان ندوة عنوانها “العلامة الشهيد الشيخ أحمد محمد عساف” شهيد الإعتدال والعيش المشترك (1937 – 1982)، شارك فيها معالي الأستاذ أدمون رزق والمؤرخ الدكتور حسان حلاق والقاضي المستشار الشيخ محمد عساف بحضور حشد من الأصدقاء تقدمهم: دولة الرئيس سعد الحريري ممثلاً بالمهندس بشير عيتاني، ودولة الرئيس نجيب ميقاتي ممثلاً بالأستاذ عبد الفتاح خطاب، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ممثلاً بالشيخ هشام خليفة ، والوزراء السابقون أدمون رزق، اللواء سامي الخطيب، الياس حنا، بشارة مرهج وحسن السبع النائب السابق محمد الأمين عيتاني، الأستاذ صلاح سلام مدير عام جريدة اللواء، قائد الجيش ممثلاً بالعقيد جميل كوسا، مدير المخابرات بالجيش اللبناني ممثلاً بالمقدم محمد عثمان، مدير عام أمن الدولة ممثلاً بالمقدم فادي قرانوح، المطران بولس مطر ممثلاً بالمطران جورج فارس، المطران الياس عودة ممثلاً بالمتقدم في الكهنة قسطنطين نصار، اللواء أشرف ريفي ممثلاً بالسيد خالد علوان، أمين عام المجلس الشرعي خضر زنهور ، رئيس اتحاد العائلات البيروتية الدكتور فوزي زيدان ، الرئيس سعيد ميرزا، القاضية رلى جدايل، رئيس المركز الإسلامي المهندس علي نور الدين عساف ، وعائلة الشهيد، وأعضاء من المجلس الإسلامي الشرعي وقضاة وعلماء دين وأعضاء من المجلس البلدي الحالي والسابق ورؤساء مؤسسات ومخاتير وممثلو الجمعيات الأهلية والفاعليات الإجتماعية والثقافية والإعلامية وحشد من المهتمين.

 

885792_653621324769946_3307879587426990238_o 1421149_648189688646443_7725699823721723167_o 1909331_653621251436620_4261636832879277552_o 11146507_653621524769926_8021197678761883621_o 11160619_653620531436692_5791158718655753197_o 11169632_653621571436588_4405025404264082608_o 11194558_653621591436586_1944467824026267973_o 11203605_653621158103296_3556829700228222865_o
بداية تلاوة عطرة من القرآن الكريم للقارىء الشيخ سعد فريجة ثم النشيد الوطني اللبناني، بعد ذلك ألقى رئيس اللجنة الدينية في المركز الإسلامي القاضي المستشار الشيخ محمد عساف كلمة ومما جاء فيها : ” إن الإعتدال والعيش المشترك قاعدتان أساسيتان كان ينادي بهما الشهيد الشيخ أحمد عساف الذي روت دماؤه أرض وطن عاش في حبه، وترعرع في ربوعه، وناضل من أجل إحقاق الحق، ونبذ الفساد ومحاربته، حتى سقط شهيداً مع سقوط حلم أعدائه بتقسيم بيروت إلى كانتونات محلية باسم المجالس المحلية، فقد كان للشهيد الشيخ أحمد عساف الكثير الكثير من المواقف الجريئة والقرارت الحاسمة في خدمة الوطن وعدم المساس بأمنه وإستقراره، وكذلك في الأمور المتعلقة بالسلم الأهلي، وتقوية مؤسسات الدولة، فكان يجهر بالحق دائماً، لا يخاف في الله لومة لائم، بذل حياته في خدمة دينه وإرضاء ربه عز وجل.
فكان رحمه الله تعالى منذ صغره ناشطاً في حقل الدعوة والنشاط الإجتماعي، ولا زال بعض أصدقائه في مدرسة الفرير يذكرون كيف شكل وفداً من بعض الطلاب في صفه ودخل بهم إلى مدير المدرسة طالباً منه الإذن لهم بالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة في مسجد عين المريسة الذي كان قريباً من المدرسة آنذاك، فكان له ما أراد.
وكذلك أسس جمعية ” رابطة الشباب الإسلامي المثقف” حيث كان في العشرينات من عمره، ثم ساهم مع أخوانه في الجمعية بإعادة بناء مسجد عائشة بكار، وجعل له خلية ومركزاً إسلامياً عريقاً في عمله الديني والإجتماعي وفي صنع القرار الوطني حيث كانت تعقد في قاعته اجتماعات اتحاد الجمعيات والمؤسسات الاسلامية الذي كان رئيساً له حتى إستشهاده، فكانت الاجتماعات تعقد كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع مع وزير أو مسؤول يبحثون معه أوضاع الوطن من جميع جوانبه، والمشاكل التي تعتري المواطن وتثقل كاهله.
وكان رحمه الله من أول الداعين إلى محاربة الزواج المدني الذي أطل يومها برأسه في آوائل السبعينات من القرن الماضي، فكان من مواقفه التصميم على إبقاء المحاكم الشرعية في إطار الانتظام العام، ورفض الدعوة إلى إعتماد الزواج المدني، وما يترتب عليه من تناقض مع أحكام القرآن الكريم، مصدر الشريعة الإسلامية الأول، ورفض الزعم القائل بأنه وسيلة لإلغاء الطائفية.
وكان رحمه الله دائماً مع تقديم الدعم الكامل للشرعية وتعزيز مؤسسات الدولة، وكان أيضاً من أشد المحاربين لتقسيم لبنان وتفتيته، وكان مع وضع ورقة عمل جديدة وجدول زمني لإعادة العلاقات بين الطوائف اللبنانية وترميم المجتمع والوطن.
أيها الأخوة الحضور إن العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد قاعدة أساسية وضعها لنا رسول الله صلى عليه وسلم عندما دخل المدينة المنورة وأسس فيها أول دولة إسلامية، فكان يسكن في المدينة آنذاك المسلمون بالإضافة إلى غيرهم من اليهود وبعض المشركين، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود في كيفية التعامل والتعايش مع بعضهم البعض، فكانت هذه المعاهدة تمثل اللبنة الأولى في التعايش المشترك بين المسلمين وغيرهم، وللأسف ما نراه يحصل اليوم في العراق وسوريا من بعض الجماعات التي تدعي الإسلام والإسلام منهم براء، يقتلون غير المسلمين بحجة انهم كفار، ويهدمون الكنائس والأديرة والأضرحة، متناسين أن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل كنيسة القيامة في القدس الشريف قد أعطى مفاتيح الكنيسة لرئيس أساقفتها ولم يحرق الكنيسة ولم يهدمها، بل أعطى المسيحيين في القدس معاهدة إعتدال وتسامح والتي سميت بالعهدة العمرية، وسار على هذا المنهج الإمام الأوزاعي الذي كان إماماً في العيش المشترك وحمى مسيحيي لبنان في عصره، وعلى هذا المنوال سار الشهيد الشيخ احمد عساف حيث كان ينادي بالإعتدال والتسامح والعيش المشترك، حتى طالته يد لغدر والخيانة في السادس والعشرين من نيسان من العام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين ميلادية، حيث ظن أعداؤه أنهم بقتله يستطيعون تقسيم بيروت وتفتيت لبنان، ولكنهم كانوا واهمين، حيث بإستشهاده إجتمع اللبنانيون جميعاً من مسلمين ومسيحيين وأعلنوا الإضراب العام الشامل حيث أقفلت المحال والمؤسسات التجارية أبوابها يوم جنازته في جميع الأراضي اللبنانية حتى المناطق التي يسكنها أكثرية مسيحية”.
//رزق//
ثم ألقى معالي الأستاذ أدمون رزق كلمته ومما جاء فيها : ” كأنّها ثوانٍ، طَرْفَةُ عينٍ… ثلاثةٌ وثلاثونَ سنةً، واذا نحنُ به، ههنا، معنا، واقفاً، مبتسماً، طَلْقَ المُحيا، مكلّلاً بمجدِ الشَهادة، مشرقاً بنورِ الجَنّةِ، يطفحُ ايماناً، يتدفّقُ بلاغةً، يُحَدِّثُ بنعمةِ ربّه: أَنَّهُ كَوَّنَ، خَلَقَ أُمَماً وشعوباً لتعارَفَ، في الدنيا سَعَةً، وللآخرةِ رِضواناً. عَلَّمَ بالقَلَمِ، وَهَبَ الحياةَ، وحَرّمَ القتل!
الشيخ أحمد عسّاف، شهيدُ لبنانَ كلِّه، شهيدُ الإِسلامِ، ديناً يأمرُ بالمعروف ويَنهى عن المُنكَر. شهيدُ الوطنِ الرسالة، تلميذُ الفرير (إخوَة المدارس المسيحية)، إِمامُ مَسجدِ عائشة بكّار، رائدُ المركزِ الاسلاميّ، جامعُ الأَلقابِ وحُسنى الصِفات، على تواضُعٍ مَعْرِفيٍّ وزُهدٍ راشديّ !
يَشوقُني اليوم ويُشجيني، أنْ أمثُلَ على مِنْبَرِه، في ذكراهُ، وظِلُّهُ وارفٌ حتى مداه، تخفقُ له القلوبُ، من صَحْبٍ وأهلٍ، أُحيّيهِم، بَدءاً بأخي عليٍّ، أخيه، والشيخ محمد، نجلِه، الذي سَعِدتُ برؤيتِه فتىً نجيباً، ومواكبةِ مسيرتِه مُعْتَمّاً، ثمَّ فَرِحْتُ به قاضياً عالماً، في خُطى الأبِ والجَدّ، الى نُخبةِ الأعلامِ المتّقين وصَفوَةِ الأوفياء.
أودُّ، بدايةً، أن أستعيدَ بعضاً مما كان لي معه، وعبّرتُ عنه غداةَ استشهادِه(1)، قلت: “الرجلُ الذي اغتيل امس، بخمسَ عشرةَ رصاصة، بين المسجدِ والمنزل، والصلاةُ في شفتيه، كان صديقي وأخي.”
“الشيخ احمد عساف، الانسانُ النبيل، المواطنُ الشريف، المُشْبَع ثقافةً وعلماً، لقيتُه أوّلَ مرّة (سنة 1966)، في جامع رمل الزيدانية، حيث كنا خطيبَيّ الاحتفال بذكرى “فتح مكة”، المصادفةِ الحاديَ والعشرينَ من شهر رمضان(2)… وشاركتُ في حلقة ذكر، تَقدّمَها، على الطريقة الشاذليَة، التي يتوارثُ آلُ عساف مشيختَها، الى جانب آل اليشرطيّ.
“على مرِّ السنين، ازدادت معرفتي به وثوقاً، فألفيتُهُ طاقةَ نشاطٍ وانتاج، حسنَ الشمائل، صافيَ الايمان، صادقَ المَوَدّة، ناذِراً نفسَهُ للخدمةِ العامة، الدينية، الوطنيةِ والاجتماعية، بحّاثةً علاّمة، ومؤلِّفاً ثقةً.”
“… أحفظ عنه، جرأةً في القولِ والموقف، الى دماثةِ خُلُق، وخِفّة ظلّ.”
” … قبلَ اسابيعَ من اغتيالِه، زارني في الاشرفية، حاملاً اليّ مجموعةَ كتبِه، وآخرَها “الحلالُ والحرام في الاسلام”، وقد رافقه صَحْبٌ كريمٌ من إخوانِه العلماء، فكان لطلّتِهم، بالعمائمِ البيض، وقعٌ مستحب، وما زالت في اذني عبارات الترحيبِ والتبريك العَفْوِيّة، التي أَطلقها عشراتُ المارّة، عندما رأوا اصحابَ الفضيلة يجتازونَ رصيفَ منزلِنا، بزهوٍ وانشراح، وكأنهم جاؤوا يبشّرون بانتهاءِ المحنة، ويعلنون تحقيقَ الوِفاق، استكمالاً لبيانِ لقاءٍ عقدناه في المجلس النيابي، عام 1979، قبلَ رسالةِ المبادئ – المسلَّمات، للرئيس الياس سركيس، التي تضمّنت بنوداً من بيانِنا !”
وأضفتُ مخاطباً اياه: ” يا اخي، يا شيخ احمد، اتخيّلُك، امس، وقد وضعتَ سمّاعةَ الهاتف، بعد مخابرةِ منزلي، وسؤالك عنّي، وحديثِك مع ابني نديم؛ اتخيّلُك كنتَ تريد أَن تبلّغني أمراً، كما كنتَ تفعلُ باستمرار، ولن اغفرَ لنفسي غيابي ساعةَ طلبتني، لأنّك، بعدها بدقائقَ، كنتَ تواجهُ، بصدرك العامر وجبينِك العالي، قلبِكَ الكبير وضميرِك النقيّ، رصاصاً لو درى من انت، لتحوَّلَ الى وردٍ وياسمين، وخجلَ من اختراقِ رأسِكَ الممتلئِ علماً، وجَرْحِ ثغرِكَ المطبوعِ على الابتسام !”
1- الاربعاء 28 نيسان 1982: “بين المسجد والمنزل” (النهار) – “أُطالبُكم بدمِه” الخميس 29 نيسان 1982 (البيرق)
2- قدَّمنا يومذاك كبير مذيعي لبنان الطيب الذكر الحاج شفيق جدايل.
“… ويا اخي، يا شيخ احمد، إنَّ فراغَكَ لكبير، ودمعَنا العصيَّ ينهمرُ على ثراك. لقد عرفتَ قَدَرَكَ فما خشيتَهُ، بل سعيتَ اليه، شأنَ المُرْسَلين وبني الايمان، فعسى ان تستحقك بلادُكَ، ويستحقَّكَ قومُكَ، كما استحقَقْتَ انت، تربةَ لبنان !”
وفي اليوم التالي، كتبتُ مقالاً آخر، أقتطفُ منه:
“الشهيدُ المصلّى عليه بدمِه، امس، صنعَ في وطني آيةً. حقّق ما عجزتْ عنه مبادراتُ عربٍ وعجم. توصياتُ مجالسَ، بياناتُ مؤتمراتٍ، وقراراتُ قِمَم !”
“الشيخ أحمد عسّاف، المؤمـنُ الصادق، ماتَ عن قضيّة. شهدَ بحياتِه لرسالة. لبنان كان قضيَّـتَـه ورسالتَه. لبنان، الوطن الحرّ والدولة السيدة المستقلّة، لبنان الشعب الواحد !”
“رئيسُ المركز الاسلامي، زينُ العلماء، مِقدامُ زمانِه، الشيخُ المغوار، كانت امنيتُه أن يرى شملَ اللبنانيين مجتمعاً، مسلمين ونصارى، حولَ الشرعيةِ الواحدة. فأبى أن يتقوقع في شارع او منطقة، انتفضَ لكرامةِ قومه، حتى اصبحَ رمزاً للوحدة الوطنية، وعنواناً لرفض الأمر الواقع.”
“انه شهيدُ ايمانِه، وشهيدُ وطنيّته!”
“تمنّيتُ لو يُطافُ بنعشِه في لبنانَ كلِّه، على امتدادِ الشاطئ وارتفاعِ الجبل، ويُحْمَل على الراحاتِ جسدُه المُمَزَّقُ بالرصاص، فتتوحَّدُ الأمةُ المبدّدةُ حولَ دمِه الطاهر…”
” لكنَّ الآيةَ تمّت من دونِ طَواف، لأنَّ روحَ الشهيدِ انتشرت في أرضِنا، وحّدتْ موقفَنا حولّه، لأولِ مرّةٍ منذ سبعِ سنوات، تأكيداً أنَّ الأصلَ بيننا هو الوفاق، وان كلّ فرز وتصنيف، وايَّ تفرقةٍ، الى زوال !”
وقلتُ أيضاً:
“… لقد سمعتُ أصواتَ الشجبِ وصيحاتِ الاستنكار، وإعلانَ الجميعِ أنّهم يأسفون ويتبرأون، فانتظرتُ أن تمتدَّ الأصابعُ فتتَّهم، والأيدي فتنتزعَ الاقنعةَ عن الوجوه، ليطمئنَّ الناسُ الى صُدقِ المتفجّعين، ويَثِقوا بنيّاتِ أصحابِ البيانات !”
“… لذلك، ثمّةَ سؤالٌ ملحٌّ: اذا كان كلُّ الذين أدانوا الجريمةَ النكراءَ صادقين، فمن هو المجرم، وأين يختبئ ؟”
وأضفت: “… أسألُ قوّاتِ الردع، والمقاومةَ الفلسطينية. اسألُ قوى الأمن الداخلي والمنظّماتِ كلَّها. اسألُ الحركةَ الوطنية والمجلسَ السياسيَّ لمدينة بيروت. اسألُ حركةَ أمل، المرابطونَ والفرسانَ الحمر… اسألُ التجمُّعَ الاسلاميَّ. اسأل البعثيّين، القوميين السوريين والشيوعيين. اسألُ كلَّ الجيوشِ والمنظماتِ والأحزابِ والهيئات: اذا كنتم جميعاً ضدَّ الجريمة، وأنا أُصدِّقُكم، فمن هو المجرم ؟.. وهل تعجزون، مجتمعين، عن كشفِ قتلةِ الشيخ أحمد عساف، الذين أطلقوا عليه النار، في عائشة بكار، تركوا سيارتَهم في مكان مكشوف، وفرّوا على مرأى أَهلِ المحلَّةِ ومسمعِهم ؟ إنّني أُطالبُكم جميعاً بدمِ الشهيد !..”
وختمتُ متوجهاً اليه: “… أما أنت، يا أخي، يا شيخ أحمد، فهنيئاً لك ان أدَّيتَ الشهادة، جمعتَ قومَك في مأتمِك، ووحّدتَ شعبَك حداداً عليك، فخراً بك، إدانةً للقتلة، وتزكيةً لما به آمنت !
“… فعسى أن روحَكَ تلهمُنا، وأمثولتَك تعلّمُنا، وأَن ذكراك حيّةٌ في إِخوانِك العلماء، حَمَلَةِ المِشْعَلِ من بعدِك، في رفاقِك أعضاءِ الاتحاد، أبناءِ طريقتِك، آلِك الأعزاء، وجماهيرِ المصلّين الأوفياء، الذين كنت تئمُّهم، وفي أصدقاءٍ، وإِن لم تجمعْهم بكَ صِلَةُ رَحمٍ، أو عبارةُ تشهُّدٍ، التقَوْكَ على الايمانِ بالله، والولاءِ للوطن !”
هذا بعضُ ما كتبتُه غداةَ استشهادِه، ثم بعدَ وَداعه.
لكنّنا، قبلَ الفجيعةِ به، وحتى آخرِ لحظة، بَقينا على تواصلٍ شبهِ يومي، نتذاكرُ في تطوّراتِ الأحداثِ وشؤونِ الوطن، نتعاونُ على توطيدِ الثقةِ بين المنطقتين، الشرقيّةِ والغربية، نتبادلُ الرأيَ في ما يَصْدُرُ من بيانات، نقترحُ تضمينَها عباراتِ التهدئةِ والتقارب، لدرءِ الفتنة، ونتبادلُ الزيارات. كما كانت لنا مبادرةٌ استثنائية، أيّدها سماحةُ المفتي الشهيد حسن خالد، عندما عقدنا لقاءً تاريخياً، في الرابعِ من تموز 1979، اعتُبرَ اختراقاً فريداً للانقسامِ الطائفيّ السائد، في قصر منصور، المقرِّ الموقّت لمجلس النواب، أروي تفاصيلَه كما أوردَتْها الصحفُ يومذاك:
“عند الساعة العاشرة من قبل ظهر الاربعاء 4 تموز 1979، عقد في “قصر منصور” اجتماع ضمَّ (الوزير السابق النائب) ادمون رزق، ووفداً من العلماء المسلمين، مؤلّفاً من اصحاب الفضيلة: الشيخ احمد عساف رئيس المركز الاسلامي، ورئيس اتحاد الجمعيات والمؤسسات الاسلامية، والشيخ حسن تميم قاضي شرع بيروت، الشيخ محمد غزال مفتش جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية، الشيخ طه عدره، الحاج عبد الرحمن الحوت رئيس الشؤون الاسلامية في دار الفتوى، الحاج عبد الرحمن محمد علايا (نجل سماحة مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد علايا)، كاتب المحكمة الشرعية.
بعد ساعتين من التداول، تلا الشيخ احمد عساف، بإسم المجتمعين، بياناً بالمبادئ الأساسية للحوار الوطني، كالآتي:
1- مراجعةُ حسابات السنوات المظلمة الماضية
2- استخلاصُ العِبَر من الأَخطاء التي ارتُكِبَت على الساحةِ اللبنانية
3- إِعادةُ التلاحمِ بين الفئات اللبنانية، على أساسِ المشاركةِ الحقيقية في مسؤوليّةِ الحُكمِ والادارة
4- تقديمُ الدعمِ الكامل للشرعيّة، وتقويةُ مؤسّساتِ الدولة
5- احياءُ الدورِ اللبنانيّ، في المحيط العربيّ والحقل الدولي، لخدمةِ القضايا اللبنانية والعربية، وتعزيز التضامنِ بين الأشقاء العرب
6- رفضُ التعاملِ مع اسرائيل، ادانة كل انواع العَمالة وتوحيدُ الجهود لدرءِ الخطرِ عن الجنوب
7- وضعُ ورقةِ عملٍ وجدولٍ زمنيّ لإعادةِ بناءِ العلاقات الصحيحة بين الطوائفِ اللبنانية، وتقدّم المجتمعِ والوطن.
8- متابعةُ اللقاءات وتوسيعُ نطاقِها، لتشملَ جميعَ العاملينَ من أجلِ وحدةِ لبنانَ وسيادتِه.
إضافةً الى البيان، يومذاك، اكتفيتُ بالقول:
كانت هذه خطوة متواضعة، على صعيدٍ شخصيّ، لجمعِ الصفِّ الوطنيّ، فأنا مؤمنٌ بأنَّ الوحدةَ الوطنية هي قَدَرُ اللبنانيين جميعاً، وبأنّهم كلَّهم يريدونَ العودةَ الى حياةٍ مشتركة، وعلينا اخذُ مبادراتٍ في هذا الاتجاه.
* * *
ذلك كان اولَ حوارٍ مخلص وجدّي، بعد تفشيل “هيئة الحوار الوطني” سنة 1976، التي شاركتُ فيها شخصياً، ولها حديثٌ آخر ذو شجون… ثمّ جاءَ اعلانُ المغفور له الرئيس الياس سركيس، المبادئَ الاربعةَ عشرَ للوفاق، التي عُرفت بـ “الثوابت المسلّمات”، وتضمّنتْ بنودَ بيانِـنا. كما وضعْنا ايضاً، في المجلسِ النيابي، وثيقةً وقّعها رؤساء الكتل، بروحِ بيانِنا ذاته.
أيُّها الإخوةُ والأصدقاء،
إنَّ كلَّ تلك المحاولاتِ المستميتة، الهادفـةِ الى حمايةِ لبنانَ الوطنِ والدولة، أُجهِضَـتْ، بسببِ مضاعفاتِ الحربِ الباردة، وصراعاتِ الأنـظمةِ العربـيّـة، خصوصاً بسببِ التـشرذم اللبنانيِّ الفئوي، السياسيِّ المتطيّـفِ والمتمذهب. ويقيني الذي طالما أعلَـنْـتُه وعملتُ بوحيِه، سواءٌ في “الكتلة البرلمانية المستقلّة”، وفي “لقاءِ الوثيقةِ والدستور”، في الحُكمِ والتشريع، وعلى رؤوسِ الأشهاد… أنّه ما من قوّةٍ تستطيعُ النيلَ من لبنان، اذا اعتصمَ ابناؤه بوحدتهم !
لكنّنا ما برحنا نجني نتائجَ التراخي السلطوي، التهافُتِ على الأسلاب وتناهشِ الحِصَص، والرهانِ على متغيّراتٍ عبثيّة، الاستقواءِ بالخارج والاستعداءِ على الداخل !..
* * *
أيُّها الأهلُ الأَقربون، وأنتم بالمعروفِ أولى:
إنّ للشيخ احمد عساف، في قلبي وضميري، ما لا يفي به كلام. فهو جزءٌ من حياتنا الشخصيّةِ وتاريخِنا القومي، تجسيدٌ للحُلْمِ بلبنان، دولةً عربيةً حضاريةً، في الشرقِِ والعالم، وطناً حرّاً مستقلاً، لشعبٍ متعدِّدٍ موحَّدٍ، مُفْرَدٍ جَمعٍ، كما يصفُهُ بهجت رزق، في كتابِه عن الهُويّة الثقافيّة المركّبة، بقِيَمٍ أَخلاقيّة ومُثُلٍ انسانيّة، يسمو مع الدينِ وبهِ، الى الإلهِ الواحدِ، الضابطِ الكل، الرحمن الرحيم !
وبعد،
لقد استرسلْتُ في الإِذِّكار، وما كان بمستطاعي الاجتزاءُ. لكنّني، اكراماً لذكرى الشيخ الحبيب، في مواجهةِ الإِرهابِ المقنَّع بالشريعة، المتلحّف الأصوليّة، أحرصُ على القول، مع الفيلسوف العربي، إنَّهُ “لا يُضيرُ الماءَ الزُلالَ أنَّ أُناساً شَرَقوا به فماتوا”… واثقاً أنّه لن يُغيِّرَ جوهرَ الإِسلامِ الحنيف، أنَّ قوماً يُسيئون اليهِ، برِدَّةٍ جديدةٍ، تدمِّرُ الروحَ وتُبيدُ الجسد، تنفّر القريبين وتستعدي الشعوب… فعسى أن نكرِّمَ الشهيدَ، فنكونَ، على مثالِه، “أُمّةً وسطاً، حَقّاً، نؤمنُ بأنَّ اللّه خلقَنا أعراقاً ونِحلاً، ألسُناً وطبائع، لنحيا معاً، ولو شاءَ لجعلَنا أُمّةً واحدة !
ولنُدرِكْ أخيراً، أنه، سبحانَهُ، لم يخوِّلْ بشراً تصنيفَ بشر، أو إِدانَتَهم وتنفيذَ أحكامِهم بإسمهِ تعالى، لتحقيق مشاريعهم الدنيوية.
إنَّ الوفاءَ للشهداء الأبرار، يتجسَّدُ بالحفاظِ على إرثِهم الوطنيّ والفكريّ، لا بالتفجُّع والبكاء !..
//د. حلاق//
ثم ألقى المؤرخ الدكتور حسان حلاق كلمته ومما جاء فيها : ” آل عساف من الأسر الإسلامية والمسيحية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود جذورها إلى بني تميم في شبه الجزيرة العربية، أسهمت في الفتوحات العربية في بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي.
ولأمراء آل عساف إسهامات حضارية وإسلامية ليس فقط في بيروت، وإنما في مختلف أنحاء الولاية العسافية ، ومن بينها بلدة غزير، حيث أقام الأمير منصور عساف فيها سراي وجامعاً وحدائق…
الشهيد الشيخ أحمد عساف من مواليد بيروت المحروسة عام 1937، تربى في كنف والد الشيخ محمد عساف، وفي رعاية أسرة متدينة اعتادت إقامة حلقات الذكر والدراسة والفقه. ثم تلقى علومه الإبتدائية في المدرسة الأزهرية الإسلامية التي سبق لوالده أن أسسها.
وفي مرحلة التعليم المتوسط والثانوي إنتقل الشيخ أحمد عساف إلى مدرسة الفرير(دي لاسال) حيث نال شهادة البكالوريا، ومن ثم أكمل دراسته الفقهية والدينية، ثم إلتحق في سلك التعليم الديني في عدد من مدارس بيروت، كما أصبح إماماً وخطيباً لعدد من مساجد بيروت المحروسة منها : المسجد العمري الكبير، زاوية ومسجد محمد الأمين، مسجد الأمير عساف(السراي) ومسجد عائشة بكار.
في عام 1961 أنشأ جمعية ثقافية خيرية عُرفت باسم” رابطة الشباب الإسلامي المثقف” برعاية المرحوم الدكتور محمد كنيعو، ومنذ عام 1962 عهدت إليه مقدمية الطريقة الشاذلية اليشرطية في بيروت.
في عام 1964 انتخب الشيخ احمد عساف أميناً للسر في جمعية الحجاج وذلك للإشراف على بعثات الحج إلى الأراضي المقدسة، وفي عام 1965 انتخب أميناً للسر في الجمعية الوطنية الاسلامية الخيرية التي ترعى أمور البر والإحسان والأعمال الخيرية في منطقة الزيدانية.
عام 1966 انتخب مديراً لمجلس العلماء في بيروت، ومديراً للمدرسة الأزهرية الإسلامية.
في عام 1973 تم الاتفاق بين الشيخ احمد عساف رئيس رابطة الشباب الاسلامي المثقف الدكتور محمد كنيعو والشيخ احمد العجوز رئيس جمعية بناء وترميم المساجد في بيروت على هدم مسجد عائشة بكار القديم، بالتعاون مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد وجمهرة من البيارتة وأهل الخير، وذلك لبناء مسجد من عدة طوابق، وبالفعل قد أصبح المسجد مركزاً إسلامياً يديره “المركز الإسلامي” برئاسة الشيخ أحمد عساف وقد تألف من طابقين سفليين وطابق علوي، وكان الشيخ احمد عساف خطيبه الدائم، تميز بعلم غزير وجرأة لافتة، وقول مأثور، رفض تقسيم لبنان، والأمن الذاتي والحزبي في بيروت، ورفض الإدارة المدنية، وأكد في جميع خطبه بين أعوام 1975 – 1982 على أهمية العيش المشترك وعلى وحدة لبنان دولة وأرضاً وشعباً وجيشاً ومؤسسات، من أجل ذلك اغتالته يد الشر والغدر في 26 نيسان عام 1982، وكانت له جنازة امتدت من منطقة عائشة بكار حتى منطقة كركول الدروز، مروراً إلى جبانة الشهداء، يتقدمها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد والرؤساء: شفيق الوزان، صائب سلام، رشيد الصلح، تقي الدين الصلح، سليم الحص، والكثير من الوزراء والنواب، وكبار القادة والزعماء إلى مثواه الأخير في جبانة الباشورة – رحمه الله- ودفن يوم الأربعاء في 28 نيسان 1982.
كان العلامة الشهيد الأمير فضيلة الشيخ أحمد عساف عالماً مسلماً آمن بأن الإسلام دين المحبة والتسامح والإعتدال والوسطية والعيش المشترك، وأكد في خطبه ولا سيما في أيام الجمعة من على منبر مسجد عائشة بكار ولغاية عام 1982 بأن الحرب اللبنانية ليست حرباً بين المسلمين والمسيحيين، بل هي حرب على المسلمين والمسيحيين، وهي حرب بين من يريد تقسيم لبنان، وبين من يعمل لإبقاء لبنان دولة ووطناً موحداً لكل أبنائه، لذلك رفض في جميع خطبه وتصريحاته ما عرف آنذاك بإسم ” الإدارة المدنية ” ليس لأنها إدارة مدنية، ولكنها لأنها كانت تدير مناطق بيروت الغربية وكأنها الدولة، وجبي الأموال من المواطنين الذين ابتلوا بويلات الحرب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، وهكذا كان موقفه من ادارات مدنية في مناطق لبنانية أخرى.
كان الشهيد الأمير الشيخ احمد عساف، ومنذ فترة مبكرة يؤمن إيمناً مطلقاً بالعيش المشترك، وبأن لبنان وفي مقدمتها بيروت المحروسة مدينة للعيش الوطني بين المسلمين والمسيحيين، وبأن لبنان كان منذ التفاعل الأسلامي – المسيحي الأول وطناً لكل أبائه، وقد دافع فضيلته عن المسيحيين المظلومين، كما دافع عن المسلمين المظلومين، ولقد أعطي بحق لقب “الأوزاعي الجديد” أو أوزاعي القرن العشرين، فلم يكن مقدماً للطريقة اليشرطية الشاذلية فحسب، بل كان كإمام بيروت المحروسة وبلاد الشام الإمام الأوزاعي، مؤمناً بأن الإسلام دين العدل والعدالة، ودين العيش المشترك، ولكم دينكم ولي دين.
كانت مسيرة الشهادة مع علماء وقادة بيروت المحروسة ولبنان مسيرة رائدة في التضحية والجرأة والإيمان، هي مسيرة العلامة الشيخ الدكتور صبحي الصالح والعلامة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، وإستمر دم الشهادة الى 14 شباط 2005 مع الشهادة الكبرى للزعيم الراحل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
إنها الأوزاعية الحقة، تلامذة فكر الإمام الأوزاعي فكر قبول الآخر، والاعتراف بالآخر، والتفاعل مع الآخر، وتعميق العيش المشترك مع الآخر، فالأوزاعية ليست الفكر الذي يقضي على الاخر، ويعمل على إلغاء الآخر، ولا يعترف بالطوائف الأخرى، بل يؤمن إيماناً مطلقاً ، بأن الله عز وجل أراد أن يجعلنا قوميات وطوائف وأديان وألسنة مختلفة، ولو أراد الله عز وجل لجعلنا أمة واحدة.
لقد ظل الشهيد الشيخ أحمد عساف الى تصريحاته وخطبته الأخيرة في يوم الجمعة في 23 نيسان 1982 حريصاً على عدة أمور ومبادىء على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ الايمان المطلق بالله عز وجل، وبالقضاء والقدر.
2 – الجرأة اللافتة في طرح القضايا اللبنانية والوطنية والاسلامية.
3 – رفض تقسيم بيروت ولبنان مهما بذلت التضحيات.
4 – رفض نماذج التقسيم واللامركزية السياسية والأمنية والإدارة المحلية.
5 – الايمان المطلق بالعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.
6 – تطبيق مبادىء العدالة الاجتماعية والسياسية بين مختلف اللبنانيين.
7 – العمل من أجل رفع الغبن والحرمان عن جميع المحرومين من جميع
الطوائف اللبنانية.
8 – رفض الاحتكام الى السلاح بين اللبنانيين.
9 – تأييده بلا حدود لقضية الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه وأرضه ووطنه.
10 – رفض تدخل القوى غير اللبنانية في شؤون القضية اللبنانية باستثناء المساعي
الخيّرة من جامعة بيروت العربية.
11 – كان مع أصدقائه وأخوانه في المركز الإلاسم – عائشة بكار، مؤمناً أشد
الإيمان بالحوار والتفاعل مع الشريك المسيحي في هذا الوطن، لهذا كان مع
أخوانه في اجتماعات مستمرة مع الفعاليات المسيحية في الأشرفية وسواها،
بهدف تفعيل الحوار لإيجاد الحلول اللازمة اللبنانية، وقد التقى عدة مرات مع
معالي الاستاذ ادمون رزق من اجل هذه الغاية النبيلة.
12 – كات يعتقد – رحمه الله – بأن الأزمة اللبنانية، وما رافقها من حروب وفتن
وتهجير لا يكن حلها إلا بتعاون جدي بين المملكة العربية السعودية ومصر
والفعاليات اللبنانية.
في 23 نيسان عام 1982، وبالتحديد في ظهيرة يوم الجمعة، وكنت مع بعض اصدقائي في القاعة السفلية لجامع عائشة بكار، نستمع كعادتنا كل جمعة إلى خطبة الشهيد الشيخ أحمد عساف، نستلهم منه المواقف الجرئية، يعبر عن آراء ومواقف البيارتة، فكان الصوت الصادق، لمن ليس له صوت، والتي كانت تسمى آنذاك الأكثرية الصامتة، لقد عبّر في خطبته آنذاك، وبشكل غير مسبوق عن ضمير البيارتة، وبجرأة غير مسبوقة، فكان المصلون يدعون له بالسلامة والحماية وبطول العمر، ولا أخفيكم سراً بأن الكثير من المصلين تخوفوا عليه من شر الإغتيال، لا لأن الشهيد كان يخاف الشهادة، ولكن لأن البيارتة كانوا يريدون آنذاك عالماً يمثلهم، ويعبر عن طموحاتهم وآرائهم، ويستمر معهم في معركة وحدة وسيادة واستقلال لبنان، كما كان يمثل صوتهم وضميرهم آنذاك الرئيس صائب بك سلام الذي خاض معارك سياسية فاقت كل التوقعات من اجل الدفاع عن بيروت والبيارتة ووحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، ومن جهة ثانية فإن المتآمرين لم يكن يهمهم حرية الكلمة، ولا حرية الرأي، ولم يكن يهمهم بياض العمامة، وطهارة العلم والعلماء، وجلباب التقوى والإيمان، بل كان المتآمرون يؤمنون بقمع الحريات، وإسكات صوت البيارتة، فكان القرار الأسود، في تلك الليلة السوداء عند الساعة التاسعة السوداء من مساء يوم الاثنين الأسود في 26 نيسان 1982، فكان قرار الاغتيال بالقرب من مسجد عائشة بكار، المسجد الذي جعله مركزاً إسلامياً حضارياً متفاعلاً مع بيئته ومدينته ومع جميع البيارتة واللبنانيين – رحمه الله- ” .

عن admin

شاهد أيضاً

لقاء مع المديرة التنفيذية للمسرح العالمي الاستاذة نهال قليلات

اقيم في المركز الاسلامي عائشة بكار بتاريخ ٣ آب ٢٠١٨ لقاء مع المديرة التنفيذية للمسرح ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *